جان كورد
24 /01/2022
على أثر القضاء التام على الحاضن الثقافي – السياسي لثورة آغري 1927-193م التي أشعلتها حركة (خويبون) وقادها الجنرال إحسان نوري باشا، وكانت تطمح لحرية واستقلال كوردستان وإنقاذ شعبنا من براثن الاضطهاد العنصري الطوراني، لجأ كثيرون من قادة وكوادر ومؤيدي الثورة إلى خارج البلاد، وتمكّن الأشد التصاقاً منهم بقضية أمتهم المستضعفة من تأسيس جمعياتٍ ثقافية واجتماعية في المهاجر، ومنها في المدن الشمالية من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها لم تستمر طويلاً في نشاطاتها وفعالياتها، وانصهرت مع الأيام في بوتقة المجتمع الأمريكي وثقافته ولغته، ومن ثم في بوتقته الدينية أيضاً، بحيث لم يعد ثمة أثرٍ لتلك الفعاليات الكوردستانية بعد عقدٍ من الزمن…
مما لا شك فيه أن الأوضاع قد تغيّرت الآن، حيث نجد نشاطاً ملحوظاً للمثقفين والفنانين والسياسيين ورجال الأعمال الكورد في شتى أنحاء المعمورة، يتسّم بقوة التشابك والتفاعل مع الحراك السياسي – الثقافي – الاجتماعي لما في الوطن (كوردستان) متجاوزاً الحدود التي رسمها المستعمرون القدامى على صدر وطننا، وعلى وجه الخصوص في أوروبا، إذ نرى الكثير من الجمعيات الكوردية / الكوردستانية، المزوّدة بالمعارف المختلفة والتجارب الكبيرة في قيادة المتحدات الكوردستانية الاجتماعية، وترتبط على الأغلب بما في الوطن من تنظيمات سياسية ومؤسسات ثقافية وإعلام سمعي وبصري، بل لها نشاطٌ لغوي في المدارس العامة والدورات الخاصة باللغة الأم، وقادرة على تنظيم الندوات والحفلات والتظاهرات واللقاءات بين مختلف المهتمين بالشأن الكوردي في شتى الأنحاء، وتلعب بعض الدول دوراً هاماً في منح المهاجرين واللاجئين المجال الوافر لبناء ذواتهم القومية ومشاعرهم الثقافية والدينية في حريةٍ تامة، ومن بينهم الكورد وأطفالهم، مثل بلاد السويد والنروج وألمانيا بشكلٍ خاص. وكثرةٌ هم المثقفون الذين نشروا في الدول الأوربية كتبهم وكتب معارفهم غير القادرين على الخروج من الوطن… وكذلك الفنانون أيضاً… وباختصار، فإن الأوضاع الدولية والسياسية والإعلامية قد تغيّرت عما كانت عليه بعد انهيار حركة “خويبون” الرائعة التي تشكّل نقطة باهرة الضياء في تاريخ كفاحنا التحرري من أجل الحرية والاستقلال.
إلاّ أن ما لدى الكورد الآن في بلاد الغربة والمهاجر، هو عدم الترابط التنظيمي القوي بين جمعياتهم ومنظماتهم، سواءً على صعيد التعاون في المجالات الثقافية والإعلامية والاجتماعية، أو على صعيد النضال المشترك من أجل حقوق الإنسان، ودعم الإبداع لأجيال المستقبل، والدفاع عن المرأة والمستضعفين بشكل عام. وكان لا بد من نسج العلاقات بين هذا الكمّ الهائل من التنظيمات التي تشكّلت عبر عقودٍ من الزمن والجديدة أيضاً، وذلك على أسسٍ متينة وثابتة فيما يتعلّق بسلمية الحراك الكوردي إجمالاً وابتعاده عن التطرّف والأدلجة المقيتة والتنافرات الحزبية التي باتت مكروهة أكثر من أي وقتٍ مضى في تاريخ الكورد المعاصر.
لا ننكر أن العديد من المحاولات قد جرت خلال العقدين الماضيين لبناء الجسور بين الكتل المتشكّلة في مختلف البلدان، وحققت بعض الجمعيات فيما بينها تكاتفاً فيدراسيونياً ناجحاً، إلاّ أن مشكلة هذه الفيدراسيونات تكمن في أن بعضها اتخذ طابع الولاء الحزبي لهذا الحزب الكوردستاني أو ذاك، أو أنها كانت جمعياتٍ خاصةً بالمهاجرين القادمين من هذا الجزء أو ذاك من أجزاء كوردستان المقسّمة. وتلك الانجازات هي بمثابة نياشين الشرف والعزّة للذين عملوا من أجل جمع الصفوف وتعزيز التلاحم وتقوية التعاون بين المنظمات الكوردية خارج الوطن، بغض النظر عن أعمالها تحت مظلات حزبية، ربما كان بعضها ذو أفقٍ ضيّق حقاً…
اليوم، نجد لدينا عملاً دؤوباً من أجل عملٍ كوردستاني يتخطّى الحدود والأحزاب والنعرات والقوقعات الضيّقة، بهدف جمع صفوف وطاقات الناشطين الكوردستانيين في شتى أنحاء “الدياسبورا”، في ظل الراية القومية التي ظهرت للوجود بعد الحرب العالمية الأولى، ورفعها ثوار خويبون فوق ذرى جبل آغري، وصارت راية جمهورية “كوردستان” في مهاباد عام 1946 وسلّمها الرئيس الشهيد قاضي محمد للقائد الكبير مصطفى بارزاني – رحمهما الله – كأمانةٍ يجب الموت في سبيلها إن اقتضى الأمر، وأدىّ البارزاني الأمانة بحق إلى يوم رحيله، ولا زالت ترفرف فوق رؤوس البيشمركة في كل مواقعهم ومقراتهم ومسيراتهم ومعاركهم… نعم في ظل هذه الراية التي يعتز بها كل كوردي مؤمنٍ بحق أمته المغدورة في العيش بحرية وكرامة في شتى أنحاء العالم.
إذاً، فالنضال من أجل جمع شمل الكورد، أينما كانوا خارج الوطن، يجري على قدمٍ وساق، ليس تحت سترة حزبية أو شعارٍ آيديولوجي أو انتماءٍ طائفي أو انحراف عقيدي، وإنما في ظل هذه الراية التي تغطي الجثامين الطاهرة لشهدائنا المضحين بأنفسهم من أجل وطنهم وحرية أمتهم، وهي الراية التي تحملها أمهات شهداء كوردستان وهن في زياراتهن لمدافن أبنائهن الشهداء، أو يظهرن بها في المظاهرات في مختلف أنحاء العالم.
الأمر الآخر الذي يميّز هذا الاتجاه الضروري هو أنه من ضمن النهج الكوردستاني الذي سار عليه قادتنا الخالدون منذ أن تفتّح الوعي القومي الكوردي من خلال أشعار الشعراء الوطنيين وأناشيد الفنانين الأوفياء لشعبهم وتضحيات الذين تم شنقهم واغتيالهم وحرقهم فرادى وجماعات، ومن خلال التهجير والتعذيب والتنكيل بأبناء وبنات أمتنا… إنه نهج كل عظمائنا الذين لم ينحنوا للطواغيت وفضلوا الشهادة على الاستسلام والخزي والعار…
طبعاً، يجب علينا جميعاً دعم هذا الاتجاه الذي سيكون له كبير الأثر الإيجابي في كوردستان، إذ لا يستطيع أحد إنكار ما لنشوء “لوبي كوردستاني” خارج البلاد من أهمية، فإن هكذا نضال تشاركي وديموقراطي ومؤسساتي بات ضرورياً ولا بد من المساهمة فيه وتعزيزه بمختلف القدرات والخبرات، وإن تسنى لقادة كوردستان مساندته ودعمه فسيفتح الطريق أمام أبناء وبنات شعبنا لبناء مستقبلٍ مشرفٍ لهم، وسيكون في مقدور العالم إقامة العلاقة معه على أنه المخاطبٌ الكوردستاني القوي والموّحد خارج كوردستان، والتعاون معه من أجل قضيتنا العادلة وتحقيق مصالح الآخرين التي يمكن لهم جنيها من التلاقي مع الكورد.
إذاً، لنتجاوز خلافاتنا الحزبية والمناطقية والآيديولوجية والحواجز النفسية والأز-أزية ولنتحد في ظل راية كوردستان وعلى نهج الكفاح التحرري الذي خطّه لنا آباء وأجداد نضالنا القومي العادل بدمائهم وتضحياتهم والذي نتبّناه جميعاً ونعرّفه ب”نهج البارزاني”.