01.03.202جان كورد –
بدايةً نمرّ في عجالة على موضوع الحرب في أوكرانيا التي تلقي بظلالها على مسرح السياسة الدولية وتؤثر في مختلف المجالات لكل بلدان العالم.
يبدو أن حساب الصندوق لم ينطبق على حساب السوق فالارتباك الذي عليه نظام الرئيس بوتين واضح لأنه لم يتوقّع هذه المقاومة العنيفة للجيش الأوكراني كما لم يتوّقع أن يقف العالم بأسره إلى جانب الشعب الأوكرني الذي يدافع عن أرضه، وبسبب العقوبات الكبيرة على الاقتصاد الروسي وأسواق موسكو المالية، فإن نظام بوتين سيخسر كثيراً على المدى الطويل لأن تحالف الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا والعديد من الدول الأخرى في العالم مستمرٌ وقد يخنق المشروع البوتيني الطموح. فلقد كان خطابوحدة الأمة الأخير للرئيس الأمريكي أمام نواب شعبه حاسماً ونال إعجاب أشد المعارضين لسياسته الخارجية… ولذا فإن هذه الحرب ستطول إن لم يتراجع بوتين عن قراره بإركاع الشعب الأوكراني، وفي استمرار الحرب على أراضي أوروبية ضررٌ بليغ في مجمل السياسة الدولية.
سنحاول الإجابة عن أسئلة نطرحها على أنفسنا للولوج إلى لبّ الموضوع الذي كتبنا فيه 3 مقالات مختصرة نشرناها من قبلبصدد إنعطافة جريئة في حراكنا السياسي الكوردي، حيث لا بد من الدخول إلى صلب الفكرة التي نوّد طرحها، ونحن نقترب من نوروزٍ جديد يشرق معه أملٌ كبير في أن تنتقل أمتنا المغدورة من حالةٍ إلى أخرى أفضل وأسعد في مسارها العظيم صوب التحرر من الظلم الذي تعاني منه.
فلنبدأ بالأسئلة التي بالتأكيد ثمة أسئلةٍ سواها لدى القارىء والقارئة، ولكن أعتقد أن هذه هي الأهم التي نحتاج الآن لطرحها والإجابة عنها باختصارٍ شديد:
-ما الهدف الذي نسعى لتحقيقه ونضّحي بدماء شبابنا من أجله؟
ربما يتساءل القارىء عما نطمح نحن الكورد في تحقيقه سياسياً، فهل نناضل من أجل تحقيق الحرية والاستقلال وبناء الدولة الكوردستانية الموّحدة، أم نسعى للحصول على حقوقٍ قوميةٍ عادلةٍ لنا في إطار الدول التي تقتسم أرض كوردستان، وهذا يعني التخلّي كلياً عن “هدف الاستقلال”، على الرغم من أن الاستفتاء الشعبي الديموقراطي النزيه في اقليم جنوب كوردستان أكّد بأنّ أكثر من 92% من ناخبي الاقليم كانوا مع استقلاله… هل يكفي شعبنا أن تطالب قواه السياسية بحقوق المواطنة أو بشيءِ من “الإدارة الذاتية” أو الحكم الذاتي له كما يطرح البعض، أم بالتركيز على فكرة الفيدرالية؟
هنا في هذا الموضوع بالذات لانجد اتفاقاً كوردستانياً على “وحدة المشروع القومي”، ولذلك الانشطارات الحزبية والخلافات المستمرة وعدم دقة “المشروع الكوردي”.
-كبف نميّز بين الأعداء والأصدقاء؟
إن أخطر ما تواجهه الحركات السياسية وطلائع التحرير وثورات للشعوب هو عدم التفريق بين الأعداء والأصدقاء. ولقد شعر البعض منا بالصدمة عندما ظهرت نتيجة استفتاء الاستقلال في اقليم جنوب كوردستان وإذا بالذين كان الكورد يعتبرونهم أصدقاءً قد انفضّوا من حولهم وانقلبوا رغم النتيجة الإيجابية الباهرة للاستفتاء إلى معادين لطرح وتنفيذ فكرة استقلال الاقليم. طبعاً، لعبت المصالح البترولية والعلاقات مع حكومات الدول التي تقتسم كوردستان دوراً هاماً في اتخاذ الأصدقاء مواقف رافضة لاستقلال الكورد، وهذا يدفعنا للتفكير الجاد في التفريق الحاسم بين ما هو عدو وما هو صديق وأن لا ننخدع ببعض المساعدات وكثيرٍ من الوعود، فلننظر إلى أوكرانيا التي اقتصادها ليس بأقوى من اقتصاد كوردستان ولكن العالم كله وقف معه في محنته العظيمة هذه. وهذا يعني أن الخلط بين الأعداء والاًصدقاء أخطر مما نتوّقع. وجلّ ما في الأمر هو تغيّر الظروف التاريخية وتجاذبات السياسة الاقتصادية، إذ هناك دويلات في شتى أنحاء العالم أضعف بكثير من شعب كوردستان من مختلف النواحي، إلاّ أن لها حلفاء وأصدقاء وداعمين على الدوام.
-ما نقاط الضعف والقوة فينا ولدينا؟
القول باستمرار (الكورد أمة عظيمة، شجاعة وعريقة في التاريخ) لا يكفي لأن سرباً من الطائرات المزوّدة بالأسلحة الكيميائية تسبب في نزوح معظم شعبنا من اقليم جنوب كوردستان عبر الجبال المكللة بالثلوج، على أثر انتفاضة 1991 وإن الجيش التركي تسبب بالقضاء على وجود كل الأحزاب الكوردية خلال شهرين في منطقة عفرين واحتل مئات القرى في جنوب كوردستان، وإن زمن الملاحم الكبيرة مثل فرسان مريوان ال12 والبطل عفدي شعرى وغير ذلك من أبطال التاريخ قد ولى دون رجعة، فالعصر عصر الامكانات العسكرية والقدرات المالية والحسابات الاقتصادية، ونحن في أدنى السلّم من هذه المعطيات. فما هي نقاط قوتنا وضعفنا فعلاً؟
بالتأكيد إن الإيمان القوي بحقنا في العيش على أرض وطننا في حرية واستقلال من مصادر طاقاتنا، التي منها الاستعداد للتضحية بدمائنا من أجل هذا الحق، ولنا بترول غزير يمكن أن نشتري به ما يلزمنا للدفاع عن أنفسنا، وفائضٌ بشري من الشباب و اكتفاءٌ في مجالات الغذاء والانتاج الزراعي، ولنا قائدٌ حكيم مؤمنٌ بالله وبحق أمته في الحرية والاستقلال، ألا وهو السيد الرئيس مسعود بارزاني الذي يمدحه الصديق والعدو وترضى به غالبية حراكنا السياسي – الثقافي – الاجتماعي رئيساً وتتبعه قوات البيشمركة حتى الموت دون تردد، وهذه نقاط قوة لشعبنا بالتأكيد، ولكن ثمة نقاط ضعف عديدة في صفوفنا، من اهمها أننا لم نقاتل ولم نناضل منذ القضاء على ثورة آغري (1927-1930) قتالاً كوردستانياً أو نضالاً مشتركا، بل إن قوانا مجزّأة حسب أجزاء كوردستان، في حين أن أعداءنا رغم خلافاتهم وحروبهم فيما بينهم متفقون وموحدون ضد شعبنا ويسعون للقضاء على وجوده ولغته وكل حراكه السياسيوالنضالي. فهل ثمة نقطةٍ أضعف من هذه في كفاحنا التحرري الوطني؟
لا أحد يحارب بيدٍ واحدة في مواجهة أعداءٍ كثيرين…
–كيف نحوّل قضيتنا العادلة، قضية شعب كوردستان، إلى قضية دولية؟
ما من قضيةٍ من قضايا الشعوب، مهما انت صغيرة أو كبيرة، ومنها قضية شعب الروهينغا مثلاً، إلاّ وأصبحت قضية دولية، يهتم بها العالم بأسره، سوى القضية الكوردية التي هي قضية شعبٍ يزيد عدد أفراده عن سكان عدة دول في الأمم المتحدة مجتمعة وبلاده أوسع من عدة دول مجتمعةٍ أيضا. فما السر في ذلك؟ أهو عجز الحراك السياسي – الثقافي الكوردي عن بناء جهازٍ دبلوماسي واضح المعالم، وتكوين “لوبي” كوردستاني منتج في الدول المتقدمة؟ أم أن الاهتمام بذلك لا يأخذ حيّزاً من الفضاء السياسي الكوردستاني بسبب خلافاتنا وتناحراتنا وتخلّفنا السياسي عامةً.
هنا يجب أن نضع خطة شاملة لسد هذه الثغرة في كفاحنا العادل، وكم كان كفاحنا ضد الإرهاب مناسياً لتطوير الدبلوماسية الكوردية، بل بعد مذبحة حلبجة الشهيرة في هام 1988، إلّا أن مشاكلنا الداخلية كانت تطغى على سواها من الأمور كما تشهد الحالة الواقعية في كوردستان حتى اليوم.
-ما أهمية تقوية المركز العراقي اوالمساهمة في البرلمان التركي او الانزلاق إلى مسار أممي لا قومي؟
على أثر سقوط الصنم في بغداد، كان على الكورد إتخاذ الخطوات المناسبة لذلك الوضع الذي صار فيه العراق، حكومةً وجيشاً واقتصاداً هشيماً، إلاّ أن سياسيينا كانوا منبهرين بالأضواء الساطعة في بغداد، ومنهم من أراد أن يكون له نصيبٌ من كعكة السلطة، فإذا بكل الموضوع الكوردستاني يرمى به إلى مربع النسيان، وشارك الكورد بحرارة في إعادة بناء العراق وتقوية جيوش العراق ومساعدة الفصائل المسلحة للسيطرة على مختلف أرجاء البلاد، وصار الكورد جنوداً مخلصين للعراق الذي سيدوس على رقاب الكورد بمجرّد أن يستعيد قواه من جديد. وكل النداءات بأن ينتبه السياسيون الكورد إلى الخطأ الكبير الذي يرتكبونه بمساهمتهم الواسعة في بناء المركز العراقي ذهبت أدراج الرياح… والآن يعترفبعض قادتنا المحترمين أنهم أخطأوا باستمرار منذ عام 2003 وإلى صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا بصدد بترول وغاز كوردستان، واعترف بعضهم بما وقعوا فيه من أخطاء حين استولى الجيش العراقي الهزيل بدعم فصيل كوردي على “قلب كوردستان” في السادس عشر من أوكتوبر…
وفي غرب كوردستان لا تخرج قيادات الكورد من مطبة إلاّ وتنزلق إلى مطبة أخرى وكل ما نسمعه عن أخوة الأمم والشعوب والدولة الأممية سيذهب أدراج الرياح بعد أن ضحى شعبنا بالالاف من شبابنا في سبيل تلك الأحلام الطوباوية المستوردة من أبي الفوضوية الشهير موراي بوكتشين. إن الاتحاد السوفييتي “العظيم” لم يتمكن من صهر القوميات والأمم في بوتقة الشيوعية لأكثر من ثمانين عاماً من توحيد المناهج والقوى السياسية المشتركة، فهل سيتمكن من ذلك رعاع الكورد اليوم؟
فماذا لو قررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق إلغاء النظام الفيدرالي بفرض تغيير شاملٍ للدستور العراقي؟ ماذا سيفعل الكورد؟ العودة لحمل السلاح في الجبال؟
وكيف سيتصرّف شعراء وفلاسفة الأممية المنتوفة الشعر في “شمال – شرق كورداديش” إذا ما أرغمهم بوتين الروس المتغطرس على قبول ما تبقّى من السلطة الأسدية التي لن تمنح الكورد شيئاً مما يحلمون به طالما هو في عباءة موسكو وحمايتها؟