جان كورد – 17/3/2022
لا ينكر أحدٌ عاقل حجم التضحيات الجسيمة التي قدّمها أبناء وبنات الكورد في سبيل الدفاع عن منطقة جبل الكورد / عفرين لما يقارب الشهرين، منذ اللحظة الأولى من الغزو التركي لها، ، رغم عدم تكافؤ القوى، تلك التضحيات التي ستأخذ في تاريخ كوردستان صفحةً مشرقة وعزيزة على أمتنا المغدورة.
إلاّ أنّ السؤال الذي لا زال بدون جواب هو: “-لماذا حدثت هذه الكارثة؟ ومن كان السبب في أن يحتل الجيش التركي هذه المنطقة الكوردية ومن ثم مناطق كوردية أخرى من “غرب كوردستان”؟ وقد ظلت على الحدود التركية منذ استقلال الدولة السورية، حيث لم يدخل إليها جندي تركي واحد طوال تلك العقود من الزمن؟
بالتأكيد، سيقول بعض الجهلة بأن عيون الأتراك على هذه المنطقة الثرية والجميلة منذ زمنٍ طويل، وهذا صحيح بالتأكيد، ولكن ألم يكن لنا نحن الكورد أي ذنب في أن تحوّل تركيا حلمها في اغتصاب هذه المنطقة إلى واقع وحقيقة؟
و يبدو أن فتح هذا الملف، ملف “المسؤولية الكوردية” في هذه الكارثة الإنسانية والبيئية والتراثية والاقتصادية، بل الوجودية لشعبنا، سيثير الكثير من غبار اللغط والانكار وسيحاول البعض التستّر على ما حدث من أخطاء سياسية رهيبة بالحديث عن بطولات الشباب الكوردي الذي قدّم دمه في سبيل الدفاع المستميت عن عفرين وسواها…
ولكن الحقيقة يجب أن تقال رغم كل الشتائم والمسبات والتهديدات ورغم سيل الأكاذيب والترقيعات، لأنها قضية الإنسان الكوردي الذي تم إذلاله في عقر داره وسلبت منه أملاكه وطُرِد من منزله ومزارعه، بل تم قطع أشجاره والاستيلاء على زيته ومواشيه، وسُرِقت آثاره الحضارية وتم نبش مقابر أجداده، بل وتّم الاعتداء على شرف وعرض نسائه وبناته وأخواته، فمن ينكر ذلك فهو إمّا من خدام أعداء الإنسانية أو شخصٌ بلا إحساسٍ وضمير ويضع مصالحه الخاصة فوق كل اعتبار وقضية، يكذبون وبنافقون ويلوون الحقيقة، وهؤلاء هم على الأغلب تجار سياسة وشذاذ الآفاق من الذين هم مستعدون للتبرئة من شعبهم في سبيل أن يرضى عنهم المستبد الغادر والمحتل الغاشم.
مرّت سنوات وشعبنا يعيش في المخيمات والمهاجر على أمل أن يعود إلى موطنه العريق في القدم، إلاّ أن حفنةً من الخونة تحاول إطلاق الأكاذيب كل يوم والزعم بأن كل شيء في المنطقة المحتلة على ما يرام والعائدون إليها من أهلها الأصليين يعيشون في خير وبركة، فمتى عاش الإنسان في ظل احتلال وطنه وأرضه في خير؟
مرّت سنوات ولم يظهر أحدٌ ليعترف بأن طيشه وعنجهيته وغروره المسلّح كان أحد أهم أسباب وذرائع المحتل التركي لينشر جيشه ومرتزقته في المنطقة الكوردية وهدفه الأخير هو ضمّها إلى بلاده، مثلما ضمّ لواء اسكندرون من قبل…
أفلا تتذكرون تهديدات السيد مراد قره يلان عندما كان يخطب بصوتٍ هادر: “-إن لم يهاجموا فهم بلا شرف ولا ناموس… وإننا سنحرق أنقره إذا ما هاجموا على منطقة عفرين!!!” فهل تمت محاسبته على ما قدّمه للأتراك من ذريعة في وضح النهار؟ وأين هم أولئك الذين كانوا يرفعون صوراً كبيرة لمعبودهم على الجبال والتلال في مواجهة مخافر حرس الحدود التركية؟ بل أين هم الذين كانوا يظهرون باستمرار على شاشات التلفزيون ليهددوا الأتراك وجيشهم وحكومتهم؟
ألا يكفي هذا للقول بأن ثمة من حرّض المعتدين على الهجوم من دون أن يمتلكوا قوّة الرد أو الردع؟ أم أن كل ما جرى كان “قدراً مقدورا” والجماعة لا تؤمن بالقدر وإنما يالكلام الصادر عن قيادة جبل قنديل الذي معظمه ترهات وتخبيص سياسي – عقائدي واهم، فالجماعة التي فقدت بوصلتها السياسية باختفاء رئيسها من المشهد الأساسي على مسرح السياسة الكوردستانية، ما عادت تعلم أي أهدافها أهم وما أولوياتها الفكرية والثورية…
لقد أوهموا شعبنا بأنهم ماركسيون – لينينون، ثم قالوا نحن ماركسيتنا غير التي اعتنقها الروس والصينيون والكوبيون وسواهم، وعندما انفرط عقد الاتحاد السوفييتي شرعوا يظهرون وكأنهم هم الذين سيقودون العالم إلى جنة الشيوعية، فصاروا يدعون إلى “الأمم الديموقراطية” بعد أن سرقوا من “أبي الفوضوية موراي بوكتشين” أفكاره ونسبوها لسيدهم ورئيسهم أوجالان… فأي أمم ديموقراطية بتحدثون عنها؟ أفلا ينظرون إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا بعد ما يقارب القرن من العلاقات الحميمة بين الأمتين في ظل الشيوعية؟ أفلا ينظرون إلى القوميين العرب في أكثر من 21 دولة لا يستطيعون التوحّد، وهم يزعمون أنهم من قومية واحدة؟
برأيى يجب أن تتم محاسبة الذين منحوا المحتل ذرائع للبدء بالغزو، وإن لم يتمكّن الكورد من محاسبتهم فليتّم شرح الموضوع من قبل المثقفين والسياسيين النظيفي الأيدي والألسنة بشكل جيد لشعبنا المغدور من خلال الإعلام والمحاضرات وسواها من أدوات التبيين والنشر…