النساءُ الكُردستانيَّاتُ رمزُ الكفاحِ والصمودِ

استمدَّتِ المرأةُ الكرديَّةُ نورَها وشجاعتَها من سيِّداتِ التاريخ العظيمات اللواتي تركنَ بصماتٍ نيرةً في سجلَّات الحياة ، و السيدة الأولى (همايل محمود آغا زيباري) ابنةُ زعيم قبيلة زيباري القوية، و زوجة الزعيم المُلَّا مُصطفى البارزاني، و والدة الرئيس مسعود البارزاني ، كانتْ من إحدى النساء الشامخات اللواتي كانَتْ لهنَّ القوةُ و الإرادةُ المتميزتان في كُردستان العراق خلال فترة الستينيات من القرن العشرين، فقد تحلَّتْ بالصبر و الإيمان ، وحافظتْ على بيتها وأولادها ، و استطاعتْ أن تغرسَ روحَ الوطنية في نفوس أبنائها عند غياب زوجها ” المُلَّا مُصطفى البارزاني ” عندما كانَ مُضطرَّاً للسفر إلى الاتِّحاد السوفياتي سابقاً ، لمدة اثنتي عشرةَ سنةً .
لم تتوقفْ يوماً عن الكفاح بل استمرَّتِ المرأةُ الكرديةُ في بذل الكثير من الجهود ، و المثابرة من أجل إثباتِ ذاتها في جميع مجالات الحياة ، لِكي تلعبَ دورَها في مجتمعها، و تبقى نموذجاً للحريَّة في المجتمعات الأخرى ،

وأكبر مثال لحركة المرأة في سبيل التضحية والنضال للقضية الكردية المستمرة، الشهيدة ليلى قاسم حسن، الشابة الكردية من مواليد ٢٧/ ديسمبر عام ١٩٥٢م بانميل إحدى ضواحي خانقين، فقد أرادت ليلى أن تنسجَ من صلابة قلبها وجبروت دموعها وجرأة شخصيتها بثوبها الجميل وإكليل عرسها أن تصنعَ نموذجاً حقيقياً لِلنساء الكرديات، لكي تكتب بأصابعها الناعمة من وراء فكرها الواسع وعشقها العميق الذي تمتلك كيانها ووجدانها بحبّ الوطن، وتلوّنَ صفحات التاريخ بالقيود والسلاسل وحبال المشنقه، وصرخات التعذيب وفقدان النظر وتشويه الجسد على خشبة الواقع ضد العبودية والديكتاتورية والسلطة الدموية، من أجل التصدي لهذا الظلم ، و لهذا الاضطهاد اللذين كانا يُمارسان بحقِّ الشعب الكرديّ، وهكذا أرادت ليلى أن تنالَ شرف الشهادة وتضحي بأغلى ما لديها من أجل الحفاظ على رفاقها و بقاء مكان النساء، واللبواتِ الكرديات في الحزب الديمقراطي الكردستاني وكافة أجزاء الوطن شامخاً.
في ليلة ٢٤ أبريل من عام ١٩٧٤م، تمَّ القبضُ عليها بشكل تعسفي بتهمة الانتماء إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وقبل إعدامها بأسبوع وأثناء الزيارة الأولى لوالدتها و شقيقتها طلبت منهما أن يحضرا لها المقصّ وملابس جديدة في المرة القادمة، وبعد أن أحضرا لها أخذت المقصّ، وقَصّت به خصلاتٍ من شعرها، وأهدتها الى شقيقتها لتبقى شاهدةً على نضالها وتحديها للموت والطغاة .
وفي ١٢ أيار من عام ١٩٧٤م، تمَّ إعدامها شنقاً حتى الموت، كان نداؤها الأخير، وهي على خشبة الموت: كردستان أغلى بكثير ممَّا تعتقدون، كردسنان أغلى من الروح والجسد وأغلى من العين والنظر، ارتديتُ اليوم أجملَ ما لديَّ لكي تفوح مني رائحة العطر من أجل أن تمتلئ هذه الساحة بعطر الحرية و زغاريد النصر على صفحات التاريخ، ومن الصعب أن يمحوَها الزمان و أيضاً أريد أن تحضنني الأرض وأنا بكامل أناقتي .

في هذا السياق نجد في التاريخ الكردي نماذج من النساء، وهنَّ يصلنَ إلى أعلى المراتب والقيادات السياسية قائدةً وعسكريةً ومثقفةً، مثل الأميرة روشن بدرخان، وشقيقتها الأميرة سينم بدرخان التي حصلت على وسام الشرف الوطني الفرنسي،

ونستطيع القول هناك الملحمة التاريخية لحركة المرأة في سبيل التضحية والنضال من أجل القضية الكردية العادلة ،، البطلةَ التي خرجتْ من رحم المعاناة للمرأة الكرديَّة ، و التي لقَّبها الرئيسُ مسعود البارزاني باللَّبوةِ الكردستانيَّة ( Şêrejina Kurdistanî بيمان عثمان ) أمُّ الشهداء الثلاثة الذين استُشهدوا إثرَ هجومٍ غادرٍ نفَّذَهُ عناصرُ تنظيم داعش على قرى تابعة لقضاء مخمور .
ورغم جُرحها العميق و ألمها الشديد بفقدان فِلذَّاتِ كبدِها ، فقد كانتْ إرادتُها أقوى من قوة غدر الدواعش و خُبثِ العدو، حيثُ بقيتْ صامدةً أمام الجميع ، وكانت تقفُ بكل إصرارٍ و عزيمةٍ أمام الإعلام و القادة السياسيين و العسكريين و الشخصيات الوطنية ، وتناشدُ المجتمعَ الدوليَّ
من أجل التصدِّي لهذا الظلم ، و إيجادِ الحلِّ للخلايا الإرهابية ، و القضاء عليها بأسرع وقت ، ليسَ من أجل أولادها فحسب ، إنما من أجل كلّ الكرد و شعوب المنطقة و العالَم ، حيثُ قالتْ بكلّ فخر و اعتزاز : أفتخرُ باستشهادِ أولادي ، و إذا لزمَ الأمرُ ، فسأضحِّي بأرواح البقية في سبيل الرئيس ” مسعود البارزاني ” و أراضي كردستان المقدَّسة ، بل من أجل أن لا يحترقَ قلبُ أمَّهات الوطن أكثر من ذلك ، مثلما احترقَ قلبي على أولادي الشهداء .

وهذا ما جعلَ من الكُتَّاب والزعماء أن يبدؤوا الكتابة عن الزعيمات الكرديات، كما قد يتوقع البعض أن معظم الكُتَّاب الذين كتبوا عن تلك الزعيمات المميزات أثناء حياتهن قد اعتبروهن في الواقع ظاهرة كردية بامتياز لذا كتبَ الكثير عن المرأة الكوردية، وقد رصد الكاتب الروسي، (باسيل نيكيتين) والذي شغل منصب القنصل الروسي في إيران سماتِ المرأة الكردية قائلاً : النساء الكرديات أيَّاً كانت طبقاتهن ومهما بلغنَ من العمر يُجِدنَ الفروسيةَ بل يتحدَّينَ الرجال في امتطاء الخيل، كما رأى (ميجر سون) الحاكم الإنجليزي لمدينة السليمانية في العشرينات في كتابه / رحلة متنكر إلى بلاد النهرين وكردستان / أن نساء الكورد أشجع النساء في استخدام البنادق، وهن على صهوة الفرس، وقد عرفنَ ببسالتهن في القتال على مرّ التاريخ الكردي، وكما قال الرئيس مسعود البارزاني : إن النساء الكرديات كُنَّ يتبرعنَ بحُليِّهنَّ من أجل الثورات،

ورغم كل هذا التطور وروح المقاومة التي تمتلكها المرأة الكردية، وما وصلت إليه المرأة الكردية من الانتصارات والإنجازات، فما زالت تلك الروح الناعمة، والمثقفة ضحية المجتمع الدولي والأنظمة الديكتاتورية، وتتعرض لأبشع مؤامرات القتل على الساحة السياسية وخلف الكواليس الظالمة.

ولم يكتفِ أعداء القضية الكردية بليلى قاسم، فلم يشفوا حقدَهم على النساء الكرديات، وما زال العنف مستمراً والحرب دائمة على الفنانات والناشطات والنساء الكرديات في أجزاء كردستان الأربعة، وبما فيها عفرين الجريحة، حيث تُمارس الميليشيات المرتزقة أبشع جرائم القتل والانتهاكات بحقِّ النساء، لذا نُدينُ ونستنكر هذه الجرائم البشعة بحقِّ الإنسانية، ونطالب الهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية بالتدخل والاطّلاع على ما يجري في عفرين بحقِّ النساء الكرديات، فإلى متى تكون المرأة الكردية ضحية هذه الاعتداءات أمام أعين المجتمع الدولي؟ ولماذا هذا الصمت الدولي لما يجري على أرض الواقع؟ وأين تلك المنظمات الدولية التي تنادي بحقوق المرأة وحماية المرأة من العدوان الغاشم؟

وأخيراً: مهما تنوعت أساليب التعذيب والقتل والممارسات اللاأخلاقية التي يمارسها أعداء الأمة الكردية، فإن النساء الكرديات لن يتوقفنَ عن النضال بل على العكس تماماً، فإن المرأة الكردية يزدادُ حبُّها ووفاؤها يوماً بعد يوم للحرية ، وعاشتِ الروحُ الوطنيةُ التي تمتلكها المرأة الكردية وعشقها للمقاومة في سبيل نيل حقوقهنَّ، وحرية وطنهنَّ الكرديّ
المجدُ لشهداء كردستان ، و الخِزيُ و العارُ لأعداءِ الإنسانية .

أمل حسن

___

السادس عشر من اغسطس

KDC

تيست ١

kurdish dc

إسكات التعليم سبيلٌ لعسكرة المجتمع …

KDC
KDC

مجانى
عرض