احداث كركوك 14تموز 1959


عبدالوهاب طالباني
عندما نتحدث عن كركوك يجب الحديث أيضا عن أحداث كركوك الدموية التي حدثت في عام 1959 ، وخصوصا اذا كان الكاتب عاش في كركوك في تلك الفترة وكان واعيا لما حدث، فوفق اغلب الكتابات الموضوعية عن تلك الاحداث المؤسفة كانت العصابات الموالية للمخابرات الآقليمية وعملاء شركة النفط ” انذاك” هي التي أشعلت فتيل تلك الاحداث ، إضافة الى دور بعض الشوفينيين العرب الذين كانوا يحاولون بكل الاساليب تحريض التركمان والكورد ضد بعضهم البعض ليتسنى لهم التفرغ لتنفيذ حملات التطهير العرقي ، وقد إشتركت في تلك الاحداث جنود الفرقة الثانية للجيش العراقي ، ولكن ولاغراض سياسية ومقصودة حمّلت الجهات الطورانية والعروبية الكورد وزر ما حدث من ماسي والام، وأقول بكل اطمئنان أن “الحركة القومية الكوردية ” كانت بعيدة عن تلك الاحداث وحاول ممثلوها بكل جهد إطفاءها ، وكنت أسمع من أبي كيف كان ممثلو الپارتي وشخصيات كوردية مستقلة لها شأن يحاولون ايقاف تلك الاحداث المرعبة ، وكان والدي من ضمن البارتيين الفاعلين حينها في كركوك اذ كان مسؤولا عن تنظيم البارتي في شركة نفط العراق ، وقد ذهب مع الاسف ضحية تلك الاحداث المؤسفة حوالي 34 من المواطنين التركمان حسب احصائيات نشرت حينها ، بينما حاول الطورانيون المبالغة في حجم عدد الضحايا ، ولا بدّ أن أسجّل هنا إستنكاري وتقززي من الاهوال التي واجهها بعض المواطنين التركمان ، وككوردي أدين وأستنكر تماما كل ما حصل لهم من قتل واعتداءات ، ولكن وكأن كان هناك متربصون لما حدث فاشتغلت الالة الاعلامية المعادية للشعب الكوردي في محاولات يائسة لالصاق تهمة إشعال تلك الاحداث بالكورد ، والكورد منها براء ، صحيح انّه مع اندلاع الاحداث حضرت الى كركوك محاميع قليلة من أبناء بعض العشائر الكوردية في محيط كركوك ولكنهم لم يتدخلوا في الاحداث ابدا ، وكنت أراهم في حدود محلة الشورجة وكان واجبهم هو حماية اهل المحلة حيث الغالبية الكوردية وعدد من التركمان والعرب من بطش القتلة ، وأنا شاهد على ذلك ، فقد بقوا في محلة الشورجة ، ولم يخرجوا منها أبدا ، كانوا يحرسون مداخل المحلة دون أن يقتربوا من مواقع الاشتعال التي كان أفراد من الجيش يشرفون عليها .
كان هناك من يندفع للقتل ،وقد يكونوا من عملاء شركة النفط الذين كان يسوؤهم الوجود الكوردي في كركوك فارادوا الصاق التهمة بهم ، و ساهم فيها افراد الجيش العراقي المندفعين كما اسلفت وبعض افراد المقاومة الشعبية ، كردّ فعل غير محسوب وغير منضبط للاعتداء الذي وقع على المسيرة الخاصة بالاحتفال بذكرى ثورة 14 تموز في شارع أطلس ومن مقهى كان يرتادها مواطنون تركمان حسب ما نقله أناس كانوا مشتركين في المسيرة ، حيث قيل أن مواطنين رموا تظاهرة بمناسبة ذكرى 14 تموز بالحجارة مما ادّى الى ردّ فعل غير متوازن ، وأتذكر جيدا وكان عمري انذاك 13 عاما أنّ اوّل من دان تلك العمليات وحاول جاهدا ايقافها كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني “الپارتي” وممثليه في اللجان التي شكلت حينها لمعالجة ذلك الوضع المؤلم، وكان بين اعضاء اللجنة عضو اللجنة المحلية للپارتي الشخصية الكوردية خالد دلير .
ويتحدث الدكتور جبار قادر في بحث قيم له عن تلك الاحداث وخلفياتها في المصدر المشار اليه انفا قائلا:
“”وكانت الأوضاع عشية الإحتفال بالذكرى الأولى لثورة 14 تموز 1958 تشير بوضوح الى نية تلك المنظمة والقوى الواقفة خلفها في إثارة المشاكل . فقد إجتمع قائد الفرقة الثانية بأعضاء اللجنة العليا المشرفة على الإحتفالات والتي كانت برئاسة وكيل المتصرف و ضمت في عضويتها ممثلون عن الفرقة الثانية وجميع الهيئات الرسمية والشعبية يوم 13 تموز 1959 وطلب منهم المساعدة في حماية الأمن والنظام في المدينة أثناء الأحتفال الجماهيري في اليوم التالي بذكرى الثورة. وقد وافقت جميع المنظمات السياسية والمهنية على القيام مجتمعة بالأحتفال وعلى مراسيم وشعارات الإحتفال بإستثناء منظمة طوران التي أعلنت وبصورة إستفزازية بأنها ستقوم بالإحتفال لوحدها وبالطريقة التي تراها مناسبة . وكان إتخاذ مثل هذا الموقف وترديد شعارات تمجد تركيا وأتاتورك في ظل تنامي العداء ضد سياساتها وحلف السنتو وسيادة التطرف الآيديولوجي في أوساط القوى السياسية العاملة على الساحة العراقية نموذجا للطفولية السياسية وعدم تقدير العواقب السيئة للسياسات المناهضة لسكان المدينة. وكانت المنظمة المذكورة لا تخفي توجهاتها المعادية للحركة القومية الكردية والقوى السياسية اليسارية ، كما أنها كانت تبث الإشاعات المغرضة ضد تلك القوى في أوساط الأقلية التركمانية وتدفعها للقيام بالأعمال الإستفزازية وإثارة الحزازات والإضطرابات. وقد إنخدعت تلك المنظمة وأنصارها بالوعود التي حصلت عليها من تركيا وشريكاتها في حلف السنتو عبر القنصليتين البريطانية والأمريكية ، اللتين أغلقتا بعد الأحداث مباشرة كإشارة على تورطهما في إثارة الإضطرابات في كركوك، و دائرة العلاقات في شركة نفط العراق التي صرفت حسب مصادر الإستخبارات الأجنبية مبلغ 200 ألف دينار( بسعر تلك الفترة والذي كان يساوي 600 الف دولار اميركي تقريبا) لإيصال الأوضاع الى تلك النهاية المحزنة في كركوك …”. المصدر السابق.
ويبدو أن القوى القومية العروبية ايضا وأجهزة المخابرات الاجنبية الاقليمية إستغلت تلك الاحداث المؤسفة لتحريض المواطنين التركمان على الكورد ومحاولة خلق حالة من التوتر بينهما ، ومع الاسف بقيت هذه الحالة مستمرة عند الكثير من الاخوة التركمان .
وحدث أن بدأت في أعوام 1960 – 1964 حملات نقل للموظفين ومنتسبي قوات الشرطة الكورد من أهالي كركوك الى خارج (اللواء) ، كما صاحبت تلك الحملات إعتقالات ضد المواطنين الكورد ، وكانت التهمة السائدة حينها الانتماء الى الحزب الشيوعي حتى وإن كان المعتقل من المنتمين الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني أوفقط إنسانا كورديا غير منتميا الى أيّ حزب ، ولكن كان واضحا أنّ النّوايا التي كانت تكمن وراء تلك الحملات هي إجبار الكورد على مغادرة المدينة ، وما زالت تلك النوايا مستمرة الى الان ، وكأن شيئا لم يتغير في العراق رغم العديد من الاتقلابات ، وقد كانت حملات نقل المعلمين والشرطة والموظفين الكورد والعمال الكورد في شركة النفط على أشدّها وبصورة واسعة و علنية .
كما أنّ عصابات منتمية لاجهزة مخابرات دولة جارة كانت بدأت هي الاخرى بشن حملة اغتيالات ظالمة للمواطنين الكورد الكركوكيين ، حيث اغتالت عددا منهم ، من بينهم الشهيد الاول محمد امين شربتجي ، ألذي كان يملك محلا متواضعا لبيع العصير مقابل القيصرية القديمة ، كما اغتالت هذه العصابات الشهيد “فاضل الحاج علي ليلاني” في محلة المصلى اثناء عودته مساء الى بيته في محلة الشورجة حيث نجا ابنه عادل ” الذي يعيش الان في المانيا” والذي كان معه أثناء عملية الاغتيال ، كما اغتالت العصابات مواطنين كورد اخرين من الكاكائية من سكان محلة الشورجة كان اسم احدهم “سيد ولي سيد حسين” ، وقتلت مواطنين كورد اخرين وجرحت اخرين كان من بينهم ابن خالتي المرحوم “كمال علي” الذي أطلقوا عليه النار أثناء عودته من عمله مارّا من أحد أزقّة محلة المصلى ، وكانت تلك العصابات تستعمل بعض الاحيان وسيلة خسيسة في جرائمها لايذاء المواطنين الكورد وهي رشّ ماء النار “اي التيزاب” على وجوه المواطنين الكورد.
الذاكرة الكوردية نشطة ولن تنسى كل هذه الاعمال الدنيئة ، ومع ذلك نتمنى أن يبني سكان كركوك بمجملهم مستقبلا علاقات ايجابية متقدمة مبنية على التسامح والمحبة بين كل مكونات شعب كوردستان وأن يبنوا بيتا للتعايش والتسامح.
أكتب هذا وأنا اعرف تماما أن إنّ التردد او الخشية لدى بعض المواطنين التركمان من عودة كركوك الى الحاضنة الكوردستانية ، ناتج أولا عن التحريض الحكومي العراقي أو ربما نتيجة تحريض اقليمي.

ويجب المضي في اقامة علاقات ايجابية جديدة وصميمية مع التركمان ومع المسيحيين والعرب في كركوك وتلك من الضرورات الملحة لبناء مستقبل مشرق للمدينة والتعيش السلمي فيها ، ومن أجل عودة المدينة الى حاضنتها الكوردستانية .
ولابدّ من التذكير بأن الكثيرين من المواطنين التركمان تعرضوا في مرحلة معينة الى القمع من قبل السلطة الحاكمة ، كما أنّ عددا من التركمان شاركوا عمليا في الثورة الكوردستانية ، وأنا شاهد حال على ما أقول ، وقد كان يعمل معنا في اذاعة الثورة الكوردية مواطن تركماني كمذيع للقسم التركماني ، كما أن بعض عشائر “البيات” كانوا يرس

المؤن الى البيشمركة وقد رأيت بأم عيني في إحدى الليالي عام 1963 قافلة محمّلة بالدهون والرز والشاي ومؤن أخرى تحطّ في مقر الفرع الثالث للحزب الديمقراطي الكوردستاني المجاور لقرية” شيرده ره” حيث كنت ليلتها حارسا فوق المقر، وقد أكّد المرحوم “عوله ما – عبدالرحمن زه بيحي ” عضو اللجنة المركزية للبارتي ومسؤول الفرع الثالث للحزب حينها ، وكان موجودا في المقر ، أنّ تلك المساعدات كانت اتية من قبل رئيس عشيرة “البيات” وذكر لي اسمه ولكن لا اتذكره مع الاسف .
وهنا أودّ ان أعود الى موضوع سبق أن كتبت عنه ، وهو أنه يلاحظ المتابعون للأدب السياسي الكوردي عموما كثرة استعمال كلمة “طوراني” عندما يكون الحديث عن كركوك ، بالتأكيد أنّ مدلول الكلمة عند الكورد لا يعني التركي او التركماني أبدا بل يعني بالضبط أيّ شخص او جهة او كيان يروّج لفكرة “التفوق العرقي التركي” سواء اكانت الجهة او الشخص تركيا او غير تركي ، ومعلوم أنّ الشعب الكوردي سواء في شمال كوردستان او جنوبها ما زال يعاني من تبعات هذا الفكر العنصري المسؤول بدرجة كبيرة عن حرمان الشعب الكوردي من حقوقه السياسية والانسانية وتعرضه الى الكثير من المذابح و الهجمات العسكرية ، و قيام مروّجيه بحث الاخرين على الوقوف ضد التطلعات التحررية لشعب كوردستان.
ولكن وحسب الدكتور جبار قادر:- ان “طوران ” كانت منظمة لها كيان”.
(قضايا كردية معاصرة … د.جبار قادر – كركوك – الأنفال – الكرد وتركيا ) .(3)

ان ما يرد هنا من تسميات عنصرية لحركات عنصرية ليس موجها الى مكونات كركوك كقوميات متسامحة ومتعايشة مع بعضها بسلام بل الى تيارات عنصرية معينة وسياسات الحكومة العراقية الشوفينية ضمن تلك المكونات فقط ولا غير.
قبل كل شيء يجب أن نذكر بانصاف أنّه كانت هناك عوائل عربية سكنت كركوك منذ زمن غير معلوم منها عشيرة “الحديدية” حسب معلومات شفوية من مواطنين كركوكيين ، ولكن للحقيقة أيضا لم يكن المواطنون العرب “داخل” مدينة كركوك يشكلون كثافة سكانية ذات ثقل مهم ، وكان ثقلهم الديمغرافي يتركز في قضاء الحويجة و توابعها حتى عام 1957 ، وداخل كركوك كانوا دائما يشكلون مجموعة سكانية خاصة عبر وجودهم كشرطة وجنود أو عناصر في دوائر الامن والاستخبارات على الاكثر وعمال في شركة النفط وموظفين ، اذ أنّ كل الحكومات العراقية كانت “تستورد” مواطنين عرب لاشغال النسبة الاكبر من تلك الوظائف ، ولكن ونتيجة لصعود التيارات العروبية في بغداد و التيارات العروبية والطورانية في كركوك اثر أحداث كركوك المؤسفة في 14 تموز 1959بدأت بعد هذه السّنة حملات إسكان العرب في كركوك تأخذ شكلا اكثر وضوحا ولكن بهدوء ، وذلك عن طريق نقل الموظفين والعمال والشرطة الكورد من المدينة وإحلال عرب (وافدين او مستوطنين) من المناطق العربية في العراق الى المدينة ، وأنا أتذكّر وكركوك هي مسقط رأسي أنّ الاخوة العرب كانوا يعيشون في مجمعات سكنية خاصة للعسكريين العرب العاملين في الفرقة الثانية للجيش (كان بينهم بعض الكورد) وفي محلّة العرصة أو على طريق بغداد وفي بعض الاحياء المختلطة.
وفي محلة الشورجة لم تكن هناك الا بضع عوائل عربية وانا اتحدث غن الستينات من الثرن الماضي ، و كانت هناك عائلة عربية تسكن بيتا كبيرا مبنيا من الطين ، كنا أهل الشورجة نطلق عليه “حه سارەکە” يقع جنوب شرق محلة الشورجة بجوار “بستان شيخ جميل ” وقد اندثر الان ، هذه العائلة كانت تنتج اللبن والقيمر الذي كانوا يبيعونه في سوق الشورجة ولاهالي المحلة ، أما الكثافة العربية في المحافظة (لواء انذاك) فوجدت فقط في قضاء الحويجة التي تم تعريبها أيام وزارة ياسين الهاشمي في بداية ثلاثينات القرن الماضي كما أسلفت اي في حوالي العام 1936، حيث توضحت الابعاد الاساسية لهجمة التعريب بأسكان عشائر عربية على المشروع الاروائي الذي سمي بمشروع ارواء الحويجة تم إنشاؤه خصيصا لهم بعد أن طردت السلطة عشائر الكاكائية والداودية والطالبانيين من أراضيهم.
وقد كانت العلاقات الاجتماعية بين الكورد والعرب المقيمين منذ فترات أقدم طبيعية في تلك الفترة على الرغم من كل السياسات الحكومية التي كانت ترمي الى خلق الفتن بين الكورد والعرب والتركمان ، وأعتقد أن القيادة الكوردية المحلية في كركوك انذاك ما كانت تعي الحجم الحقيقي لخطة “التعريب” التي كانت تجري من وراء الستار لتغيير هوية المناطق الكوردية تدريجيا ، وكوردستانيا كان شعار (تعزيز الاخوة العربية الكوردية) هو الطاغي ربما لردّ الجهد الحكومي في جعل الصراع قوميا أي جعل الصراع بين العرب والكورد ، بينما الحكم العراقي كان يفجر أسس هذه الاخوة بأتباع سياسة شوفينية ضد الشعب الكوردي بعد 1968، وقد بدأت المشكلة تأخذ حجمها الشوفيني الكبير عندما بدأت السلطة البعثية تصدر القوانين العنصرية ، وتمارس مخططاتها علنا وعلى رؤؤس الاشهاد، وذلك بنقل المواطنين الكورد من الموظفين والشرطة وعمال شركة النفط من سكان كركوك الاصليين الى خارج محافظة كركوك ، ومنع بيع وشراء العقارات من قبل المواطنين الكورد ، ومن ثم قيامها بتجريد محافظة كركوك من الاقضية والنواحي التي كانت الغالبية العظمى من سكانها من الكورد كقضاء چجمچمال الذي الحق بالسليمانية ، وقضاء دوز خورماتو الذي الحق بمحافظة صلاح الدين ، وقضاء كفري الذي الحق بمحافظة ديالى ، ثم بدأوا بترحيل الالاف من العوائل الكوردية الى الجنوب ومناطق السليمانية واربيل ، وبأساليب غاية في القساوة والتطرف ، و اتوا بالاف العوائل العربية الى المدينة ، وحاولوا ازالة الاحياء الكوردية وعلى الاخص محلة الشورجة تحت مبررات ضرورات التخطيط الاساسي ووضع تصميم أساسي جديد لمدينة كركوك ، وقد لاحظت هذا بنفسي عندما كنت موظفا في مديرية التخطيط والهندسة العامة عام 1973 في بغداد التي كانت تابعة الى وزارة التخطيط ثم الحقت بوزارة البلديات ، وكان الاستاذ احسان شيرزاد انذاك وزيرا للبلديات ، وانتدبتني الوزارة كأحصائي مع مهمدس كوردي لمرافقة شركة هندسية يونانية الجنسية مختصة بتخطيط المدن ،عطيت عقد إعداد تصميم أساسي للمدينة نهاية عام 1973 ، وذات يوم صرح لي رئيس فريق العمل اليوناني بمرارة واضحة بعد أن عاد من زيارة لمحافظ كركوك ، قائلا أنّ إدارة كركوك تتدخل في شؤون شركته ، وأنّهم يطلبون صراحة جعل موقع محلة الشورجة موقعا لالتقاء شبكة طرقات وساحة كبيرة تتوسطها حديقة كبيرة ، و موقعا للخدمات ، اي مسح ثلاثة ارباح المحلة بالتمام ، وقد إستوضح مني سبب هذا الاصرار الحكومي لمسح محلة الشورجة من قبل ادارة كركوك ، فأجبته بكل صراحة عن النية الحقيقية للسلطة من وراء ذلك وهي ذات بعد عنصري يستهدف طرد الكورد من محلة الشورجة ومن كركوك ، ورجوته أن يحتفظ بالمعلومة لنفسه فقط ، ولا يذكر مصدر هذه المعلومة إذا حدث وأثير الموضوع معه مستقبلا ، فأبدى إستغرابه لذلك لأنّه كان يجهل حقيقة طبيعة السياسات العنصرية التي كانت حكومة بغداد تنتهجها ضد الكورد في كركوك ، ولكن وللحقيقة فقد قال انّه سيعمل وفق ما يمليه عليه علمه وضميره وسيحتفظ بسرية تلك المعلومة ، وكنت أثناء وجودي في كركوك حينها مجازا من عملي الصحفي في جريدة التاخي التي كنت أعمل فيها مساء، وأثناء المفاوضات الاخيرة بين الوفد الكوردي والحكومة العراقية في اذار عام 1974اوصلت نسخة من خطة تصميم المدينة ( كانت عبارة عن جزئين) التي أعدتها الشركة المذكورة الى الاستاذ دارا توفيق رئيس التحرير بناء على طلبه للاستفادة منها في المفاوضات التي كانت جارية حينها مع الحكومة العراقية وفي أيامها الاخيرة والحاسمة . وكانت مخطط تصميم المدينة يتكون من جزئين تضمّنا الخرائط التفصيلية الخاصة بمدينة كركوك والاحصاءات الديمغرافية ورؤى الشركة المخططة في كيفية إستعمال الارض والتنبؤات المستقبلية في السّكن والسّكان والخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية عموما … و التي عادة تتضمنها مشاريع تخطيط المدن ، والخطة كانت لمدة خمسة وعشرين عاما حسبما اتذكر، وبعد إندلاع القتال مع الحكومة العراقية من جديد في 11 اذار 1974 وأنضمامي الى الثورة الكوردية ، وبعد النكسة المشؤومة في اذار 1975 اثر اتفاقية الجزائرولجوئنا الى ايران وعودتي منها علمت من بعض أصدقائي في المديرية المذكورة أن الحكومة العراقية كانت رفضت الخطة أساسا ولم تُقِرها.
ومن الجدير بالذكر أنّ السلطات الحكومية في كركوك لم تكتف بطرد المواطنين الكورد من المدينة بل أنّها أزالت بالبلدوزرات وفجّرت بالديناميت العديد من المنازل المملوكة للسّكان الكورد في

في محلة الشورجة وحواليها وذلك بعد انتفاضة عام1991
وقد حاولت السلطة ازالة أيّ مظهر يدل على الوجود الكوردي في المدينة وفي المحافظة ككل ، حتى وصلت الامور الى أنّ معظم الكتب الكوردية الموجودة في مكتبة كركوك العامة مُنع من التداول بمبررات عنصرية ، والمكتبات التي كانت تبيع الكتب الكوردية اضطرّت الى إخفائها وبيعها سرّا الى المواطنين الكورد ، وتم إغلاق عدد كبير من المدارس التي كانت تدرس باللغة الكوردية في المدينة ، كلّ هذا إضافة الى إيداع المئات من المواطنين الكورد من سكان المدينة في السّجون والمعتقلات ، وإعدام أعداد منهم ، كما أن السّلطة مارست الضّغط على المواطنين الكورد لتغيير انتماءاتهم القومية الكوردية حسب إستمارات عنصرية غريبة معدّة لهذا الغرض ” استمارات تصحيح القومية” ، وربّما يكون النّظام العراقي هو النّظام الوحيد في العالم الذي توصّل الى اتّباع هكذا طريقة غارقة من التّمييز العنصري بحقّ المكوّن الاصلي الكوردستاني في محافظة كركوك التي سميّت بمحافظة التاميم في خطوة اخرى لأخفاء حقيقة تاريخها وانتمائها الى التاريخ الكوردي..

ان الأحاطة بهذه الخلفية التاريخية للظروف السائدة في محافظة كركوك والقمع القومي الذي واجهه الكورد من قبل الحكومات العراقية أمر ضروري ، ولآن مسألة كركوك تعتبر وستظل جوهر الصّراع الكوردي مع الانظمة التي حكمت العراق وتحكمها مستقبلا .

___

من يستحق رفع رايةِ الإنقاذ دائماً؟

KDC

معركتنا اليوم هي معركة وجود لا حقوق

KDC

الپيشمرگةُ أثمنُ كلمةٍ نفتدي بها في الوجودِ

KDC
KDC

مجانى
عرض