بقلم : أمـل حـسـن
عُرِفَ الزعيم الكردي الراحل مُصطفى البارزاني بشخصيته الوطنية الرصينة و وَقاره و قِيَمه الإنسانية ، إلى جانب كِفاحه و تفانيه في سبيل نُصرة قضية شعبه الكردي العادلة في الحرية و الاستقلال ، فقد عُرِفَ البارزاني بتوجُّهه نحوَ النضال منذُ شبابه ، و قد عانى في سبيل ذلكَ السجن و النفي ، و لكنه لم يستسلم لتلكَ الضغوطات ، فتابع مسيرة كفاحه ، و إيقاد العديد من الثورات الكبرى و الانتفاضات العظمى ضدَّ مُغتصبي كردستان ، و لعلَّ مُشاركته في إقامة جمهورية مهاباد المستقلة شرقَ كردستان إلى جانب القاضي محمد ، كانَ إحدى الثمرات اليانعة التي أثمرتها مسيرته النضالية .
كان البارزاني الخالد قد وهبَ حياته فداءً لشعبه و وطنه ، فقضى أكثرَها في الجبال و خنادق القتال و الصفوف الأولى للپشمرگة ، فقد كانَ القائد المِقدام بحق ، إذ لم يكنْ يجلس خلف خطوط الجبهة داخل البيوت المُحصَّنة برِفقة الحُرَّاس ، إنَّما كان بين الپشمرگة و في مُقدمتهم دوماً .
قامَ البارزاني الخالد بالتوجه إلى الاتحاد السوفيتي السابق ، بعد سُقوط جمهورية مهاباد في ١٥ ديسمبر ١٩٤٦م، مع خمسمئة من مقاتليه الپشمرگة الأبطال سيراً على الأقدام مُجتازين نهرَ آراس ، فعانوا في الطريق الكثير من المصاعب ، و بعد اثنتي عشرة سنة عادوا إلى أرض كردستان لمُتابعة النضال و إشعال فتيل الثورة الكردية من جديد ضدَّ مُنتهكي سيادة أراضي كردستان في ميادين الشرف و الأباء، كما مدَّ الشعب الكردي بالعون و المساعدة في أجزاء كردستان الأربعة ، فباتَ نهج البارزاني دستور الكُرد الذي يسيرون عليه ، في الكفاح و التضحية في سبيل نُصرة الكرد و كردستان .
رحلَ الزعيم الكردي البارزاني الخالد في ١ أذار عام ١٩٧٩م و بقيَ نهجه حيَّاً في حياة الشعب الكردي ، رحلَ البارزاني و بقيَ حبُّه ساكناً في قلوب ملايين الكُرد .
انتهجَ الرئيس مسعود البارزاني نهجَ والده الراحل في تبنِّي الكفاح و التضحية سبيلاً لنُصرة الشعب الكردي ، ليسَ في إقليم كردستان فحسب ، إنما في عموم كردستان ، فتجلَّى ذلك في أعمال كثيرة تمَّ خلالها تقديم الدعم و المُساندة للشعب الكردي خارج الإقليم ، و لعلَّ هذا الدعم للإخوة الكُرد من قِبل حكومة إقليم كردستان قد تجلَّى عقبَ كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا و سورية ، و أدى إلى دمار كبير في مدينة جنديرس الكردستانية غربَ كردستان ، و التي تتبع لمنطقة جبل الأكراد ، و مركزها مدينة عفرين المحتلة من قبل تركيا و فصائل سورية مسلحة تتبع لها .
فقد لبَّتْ حكومة الإقليم و مؤسسة البارزاني الخيرية نداء أهلنا الكرد في جنديرس من أجل إكمال مسيرة الحياة والسير على نهج المقاومة نحو الإنسانية تحت مظلة الشعار المقدس الذي صاغَهُ الأب الروحي مصطفى البارزاني : ( فخرٌ للإنسان أن يكون في خدمة شعبه) و تمكَّنت في مدة وجيزة من تجهيز طواقم الدفاع المدني المزودة بالآليات و أدوات الحفر و التنقيب عن الأحياء و الضحايا تحت الأنقاض ، إلى جانب مئات الأطنان من المساعدات الإنسانية من أغذية و أدوية و غيرها ، و دخلت القافلة أرض جنديرس في الأيام الأولى من كارثة الزلزال ، و توزعتْ على الفور للعمل على إنقاذ الأحياء و انتشال الضحايا و توزيع المساعدات الإنسانية على المحتاجين ، ضمن قدراتها المسموحة بها .
كما تمَّ إحداث مكتب للإغاثة و العمل الإنساني في مدينة عفرين في ١٩ شباط ٢٠٢٣م تحت مُسمى مكتب مؤسسة البارزاني الخيرية ، ليُرفرفَ شعار المؤسسة مع صورة البارزاني الخالد عليه .
كانت الجماهير الكردية ممن تبقى في عفرين و جنديرس قد استقبلوا قافلة البازاني الخيرية استقبالاً حارَّاً ، و هم مثقلون بالجِراح التي عانوها قبل الزلزال و بعده ، فدلَّ هذا على تلاحم الشعب الكردي ، و وحدة صفوفه ، و استعداده لمتابعة مسيرة الكفاح في سبيل خدمة الشعب الكردي و القضية الكردية .
و اليوم ، و نحن نعيش الذكرى الرابعة و الأربعين لرحيل البارزاني الخالد ، نُجدد عهد الوفاء بالسير على نهجه الوطني و مبادئه الإنسانية .
ليس نهر آراس فقط أو جبل شيرين أو ثورة مهاباد أو صهيل الحصان الأبيض شاهدةٌ على نضاله ، بل عروسة الوطن أيضاً في غرب كردستان مدينة عفرين الجريحة المُكبلة بقيود الاحتلال وشعبها الأبي الذي كانَ يصرخُ تحت ظلم المُعتدين على سهول و هضاب عفرين ، ولكن أشجار عفرين المُباركة من التين والزيتون تلوح بأغصان السلام فرحاً بقُدوم البرزانيين إلى عفرينَ ، فالقلم يعجزُ عن وصف مشهد اللقاء ، فبمجرد رؤية أهل عفرين الوجوهَ الكردية البارزانية على أراضيها المغتصبة ، انطلقت صيحاتهم : يا مرحباً بـ ( باڤي كال ) لقيتُم أهلاً و حللتُم سهلاً ، وها نحنُ نُجدد عهد الوفاء لروحه على المضي خلف نهجه ، و متابعة مسيرة النضال لتحقيق الحرية و الاستقلال لكردستان و شعبها .
في بداية الربيع من كل عام ، وخاصة في الأول من آذار (مارس) ، تمطر السماء في كل جزء من كردستان ، والدموع تتدفق من براعم الأغصان مع شموع الأمل للسير وراء كفاح أبنائه وأحفاده السياسيين والدبلوماسيين نداء العصر بالملابس والهوية البارزانيية .
أربع وأربعون عاماً مرَّتْ على رحيل البارزاني الخالد ، لكن عمله واسمه كانا وسيبقيا رمزاً لحرية الكرد في أجزائها كردستان الأربعة .
الرحمة لشهداء الزلزال في جنديرس و عفرين وعموم شهداء الكرد وكردستان .
تحية إكبار وإجلال لروح زعيم الثورات الجنرال مصطفى بارزاني قائد الحركة الثورية الكردية, الذي أحيا الأمل في قلوب العفرينيين ، وجعلها جميلة ومشرقة كإشراقة الشمس التي تُزيحُ بنورها غيوم التشاؤم في سماء الوطن .
تحية تقدير لصناع المجد ، لشعبنا الكردي و قيادته في إقليم كردستان أرضاً وشعباً.