واقع تداول القضية الكوردية في المحافل الدولية


بقلم الأكاديمي عبداللطيف محمدامين موسى


لا يكاد يمر يوماً إلا ويجمع فيه كل المفكرين والمؤرخين ومدوني التاريخ وكل المتتبعين لحجم الصراع والتناقض الذي تمر به المنطقة عاماً وكوردستان على وجه الخصوص في أن ولادة الحركة الكوردية وقضيتها المشروعة في الدفاع عن الحقوق المنبثقة من رحم المعاناة والظلم التي تعرض له هذا الشعب العظيم للحفاظ على الوجود ضد أشكال التآمر كافة, مستهدفاً كيانه وتغيير ديمغرافيته وإرثه التاريخي الأصيل معبرة ومجسدة لكافة مراحل ومحطات النضال والظروف والمصاعب التي مر بها الشعب الكوردي .هذا الأمر الذي شكل حلقة صعبة في الوقوف بوجه كافة الحملات المبرمجة التي استهدفت تشويه هذه القضية ,وتحريف حقائقها وإرثها التاريخي في إلغاء الهوية الوطنية وإضعاف الانتماء القومي.
إن القضية الكوردية التي شهدت الكثير من مراحل المد والجزر نتيجة الظروف ومراحل الضعف في الأداء التي مرت بها والتي أوهمت الأعداء نهايتها وعلى وجه الخصوص مسألة إعدام الشيخ عبدالسلام والقاضي محمد ونهاية جمهورية مهاباد وتدمير بارزان وقصفها المرات تلو الأخرى ,ولجوء الأب الروحي إلى السوفييت واتفاقية الخيانة في آذار التي شكلت الضربة في قصم ظهر القضية الكوردية مستهدفة كسر إرادة الشعب الكورد ,ولكن بالمقابل شهدت القضية الكوردية الكثير من حالات القوة على سبيل المثال في حادثة توجيه الشيخ عبدالسلام برقية موحدة باسم كافة العشائر إلى السلطان العثماني في عرض قضية هذا الشعب على طاولة السلطان العثماني التي مثلت إحدى أهم مراكز القرار الدبلوماسي العالمي, وكذلك توجيه البارزاني الخالد برقية دبلوماسية لدى وصوله إلى الاتحاد السوفيتي سنة 1947 إلى جوزيف ستالين أحد أهم شخصيات صناع القرار السياسي والدبلوماسي في تلك المرحلة , وكذلك من بعده مراسلة خروشوف سنة 1951 ,وكذلك توجيه برقية إلى رئيس جمهورية مصر جمال عبدالناصر سنة 1956 ,وتوجيه برقية للأمين العام للأمم المتحدة سنة 1960 لموجهة استفزازات الدولة التركية وجمهورية إيران, وكذلك توجيه رسالة إلى رئيس جمهورية فرنسا الجنرال ديغول وكذلك سنة 1966 توجيه برقية إلى مؤتمر هافا للقارات الثلاث ,وكذلك لقاء البارزاني بوزير الخارجية الأمريكية كيسنجر وتسليمه رسالة احتجاج على بوادر اتفاق آذار المشؤوم ,وكذلك إلقاء البارزاني الخالد كلمة أمام طلاب ودكاترة الجامعة الامريكية في واشنطن حول الثورة الكوردستانية وعدالة القضية الكوردية.
لن يستطيع العالم أجمع والأعداء قبل الأصدقاء بأن ينسوا وقوف الأب الروحي على منصة الأمم المتحدة في نيويورك سنة 1976 مخاطباُ كافة زعماء وقادة العالم في مقولته الشهيرة بأنه “لمن الدهشة والاستغراب بأن لا يتم الاشارة الى حقوق الشعب الكوردي وعدالة قضيته من خلال عدم وضع العلم الكوردية بين أعلام الدول المشاركة وبالعكس وضع أعلام بعض الدول التي تحاول محو الشعب الكوردي وقضيته” .
من خلال عرض هذا المخلص عن أبرز المحطات والمراحل التي مر بها القضية الكوردية في المحافل الدولية وعلى كبرى مراكز القرار العالم من قبل البارزاني الخالد وليعرف القارئ الكريم بأن الظروف والنتائج التي أوصلت شعبنا وقضيته إلى هذه المرحلة في مواجهة كافة المحاولات التي استهدفت محوه وقضيته هي نتيجة حتمية للدبلوماسية الكوردية, ولكن من منطلق الإنصاف في عرض الحقائق لا يمكن إخفاء الضعف والكثير من محطات الانكسار التي مر بها القضية الكوردية على المحافل الدولية والتي يدفع ثمنها الشعب الكوردي الى الآن ,ولاسيما اتفاقية سيفر ولوزان اللتان صبغت القضية الكوردية وأثقلت كاهلها بالكثير من القرارات التي شكلت ولا تزال تشكل عائق اساسي أمام حل قضية الشعب الكوردي وحقوقه المشروعة في تقرير المصير .
إن مراحل ضعف القضية الكوردية في المحافل الدولية إنما برأيي تعود لعوامل وأسباب عديدة تستوجب المسؤولية الأخلاقية والتاريخية ذكرها في التحكم والهيمنة وكافة أشكال التآمر من قبل الأنظمة التي تعاقبت على احتلال كوردستان, وكذلك حالة التجزئة وثقافة عدم تقبل الأخر من قبل الشعب الكوردي، وبالمناسبة هي أيضاً نتاج ثقافة الدول المحتلة لكوردستان ,وكذلك التخلف وقلة الوعي والنزعة القبلية التي عانت منها المجتمع الكوردي, وقلة التعليم الذي أسهم في خلق حالة من الضعف في الأداء الدبلوماسي لدى الشعب الكوردي في الدفاع عن قضيته وعرضها بصورة صحيحة لكل المهتمين بها أمام كبرى مراكز القرار في العالم بتلك المرحلة .

أن انتفاضة كوردستان شكلت النقطة الأساسية في أولى محطات ازدهار تداول القضية الكوردية على المحافل الدولية نتيجة تغير الظروف والمستجدات المتسارعة في المنطقة وحرب الخليج الأولى وغزو الكويت وانهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي, وهيمنة أحادية القطب الأمريكية على القرار العالمي الأمر الذي مكنت الدبلوماسية الكوردية من الاستفادة من تقاطع تلك الظروف مع مصالحها وجعلها في خدمة القضية الكوردية مما مهد الأرضية لدول التحالف بقيادة فرنسا وبريطانيا لاستصدار قرار منطقة الحظر الجوي والعمل على إنهاء الخلافات الداخلية الكوردية, وكذلك العامل الأهم الذي يحسب للدبلوماسية الكوردية هي تماسكها وجاهزيتها في الاستفادة من كافة الظروف التي أعقبت تغيير نظام صدام ووضعها في خدمة تقوية القضية الكوردية في الحصول على الاعتراف الدولي الرسمي بحقوق الكورد من خلال تثبيت الفدرالية في العراق كواقع حال يعزز موقع الكورد ووجودهم الأصيل على جغرافيتهم كوردستان ,وكذلك كسر أسطورة داعش جعلت من كوردستان أحد أبرز محطات الأمن والأمان في المنطقة من خلال جعل أربيل إحدى مراكز صنع القرار المهمة التي تخص الشرق الاوسط ,وكذلك استفتاء إقليم كوردستان بقيادة المرجع مسعود بارزاني عبر التأييد الدولي الواسع من قبل الجاليات الكوردية في عواصم القرار العالمي قد أعطت الصورة الصحيحة وأعادت التأكيد على عادلة القضية الكوردية كقضية مصيرية مستندة الى المواثيق والشرائع الدولية لكل شعب الحق في تقرير المصير.
قد يتساءل سائل عن مصير تداول القضية الكوردية في أجزاء كوردستان الأخرى، بكل أسف يمكن القول بأنه تمكنت الدول المهيمنة على الشعب الكوردي في الأجزاء الشمالية والشرقية من كوردستان من تغيب ملامح تداول القضية الكوردية على المنابر الدولية وجعلها قضية داخلية فقط بسبب الهيمنة والقبضة الاستخباراتية, والتعامل بكل الطرق والوسائل البعيدة كل البعد عن مظاهر الديمقراطية وحقوق الانسان ,ولكن على العكس من ذلك تماماً بالرغم من الظروف التي تعرضت لها كوردستان سورية الا إن المجلس الوطني الكوردي في سورية قد قاد دبلوماسية عظيمة رغم الظروف والإمكانيات مستفيدة من الدعم القومي للمرجع مسعود بارزاني في جعل تداول القضية الكوردية حاضرة على كافة المحافل الدولية المتعلقة بالأزمة السورية ومصير شعبها في منصات تداول جنيف التي أجمعت عليها الكثير من دول العالم وفي آستانا واللجنة الدستورية المعنية بإعداد الدستور للشعب السوري والعملية السياسية السورية, وهذه الجهود الدبلوماسية قد حالت دون تنفيذ كافة أشكال التآمر الداخلي والخارجي في إفراغ المنطقة الكوردية وتغير ديمغرافيتها.
لعل الكثير من الأمور والعوامل التي تشكل الحلقة الأقوى في الاعتماد عليها من شأنها تقوية الدبلوماسية الكوردية وهي تشجيع العلم والأكاديمية والإنهال من المعرفة والاستفادة من الإرث الحضاري و التاريخي للشعب الكوردي, ودعم مشروع المرجع مسعود البارزاني في تنظيم أداء عمل الجاليات الكوردية المشتتة في الخارج, والاعتراف بكافة مكامن الخلل والاستفادة منها ووضعها في خدمة التداول الأصح للقضية الكوردية في مراكز القرار العالمي, والعمل على تنشئة جيل كوردي مسلح ومحصن بالثقافة النضالية ومحارب لكل الثقافات التي تحاول الأنظمة المعادية للشعب الكوردي في إشاعتها من خلال محاربة عدم قبول الأخر, كما يجب الاستفادة من التقنية الحديثة وثقافة التواصل الاجتماعي بما تخدم مصالح شعبنا. الخلاصة: يمكن القول بأن الدبلوماسية الكوردية في كافة مراحل تداول القضية الكوردية وطيلة الظروف والتحديات التي رافقتها عبر تاريخها المليء بالظلم والاضطهاد بقيت مواكبة للمسؤولية في الدفاع عن حقوق الشعب الكوردي متجاوزة كافة التحديات, ومنطلقة ومؤمنة بوحدة العمل النضالي بشقيه السياسي والعسكري ومستفيدةً وملهمةً من ثقافة نهج البارزاني الخالد التي جعلت من أربيل إحدى أهم مراكز الدبلوماسية التي لا يمكن تجاهلها في صنع القرارات التي تخص الشرق الأوسط في جعل أربيل مركز إشعاع قومي ستنتهض منها أجزاء كوردستان الأخرى نضالاً.

___

تيست ٣

kurdish dc

النمسا- مركزنا سيقيم مراسيم تعزية للفقيد علي قاضي

arabicedit

سويسرا – ازدياد الطلاب الأجانب في الجامعات رغم كورونا

arabicedit
KDC

مجانى
عرض