بقلم عبداللطيف محمدأمين موسی
إن البحث في مفهوم الصراع وماهية التناقض وقيم التنافس على المصالح وتنفيذ الأجندات في توسيع النفوذ تجسد الحالة الاستراتيجية في الوجود من عدمه التي تستند عليها الدول في بناء برامجها وخططها المستقبلية في تسخير كل ما تحتويه من حيث التنوع في إمكانياتها لتعزيز الوجود في الفضاء الجيواستراتيجي التي تشكل ساحة الصراع في تكوين عالم متعدد الاقطاب والمحاور قائم على التنافس والصراع, وكما أن فلسفة الصراع تعبر عن حالة من الصراع على القوة والنفوذ وتمكين التحالفات والاستغناء عن أخلاقيات العمل السياسي في سبيل تعزيز مبادى الأمن القومي الاستراتيجي المخطط له في الغرف المظلمة وكواليس الاستخبارات العالمية والدولة العميقة صاحبة قرار الخوض في الصراع.
عند الخوض في ماهية الصراع وأسبابه والعوامل التي أدت الى تكوينه والنتائج التي ولدته الصراع لابد من السرد بأن الصراع يكون من أجل تحقيق النفوذ والهيمنة وكسب السيطرة على حساب كافة القوانين والمواثيق والأعراف الدولية والاتفاقيات الأمامية، وقد يتخذ الصراع شكلاً أخر يكون فيه من أجل الحفاظ على الوجود ومقاومة كافة المخططات ووسائل الانصهار في إضعاف الانتماء وتغيير الهوية، ولذا لابد من القول بأن الصراع اتخذ أشكالا عديدة ومن أبرزها الصراع الذي ولد الحقبة العالمية من التنافس في الحرب العالمية الاولى التي أدت الى تغير خارطة العالم نتيجة الصراع والتنافس القوي على رسم عالم متعدد الاقطاب الناتج عن سرعة التطور والثورة الصناعية والهيمنة في الراسمالية العالمية، وكما أن الصراع في الحرب العالمية الثانية أدى الى اتخاذ أقوى أشكال الصراع في التنافس على السيطرة لتمهد الى الصراع القوي الذي جسد الصراع الأيديولوجي في الأفكار بين المعسكر الشيوعي الذي قاده الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي الذي جسد قيم الرأسمالية في المجتمع الغربي الذي أدى الى تقسيم العالم في محوريين أساسيين وتحت مسمى الحرب الباردة.
بكل تأكيد مثل هذا النوع من الصراع والتنافس من أجل المصالح والسيطرة الاقتصادية والأيديولوجية والثقافية, ولكن ظهر شكل آخر من الصراع في الحفاظ على الوجود وصراع الشعب الكوردي من أجل الحفاظ على البقاء والذي قاده البارزاني الخالد في مقاومة كافة الحملات الملكية البريطانية والعراقية في تدمير بارزان وتمثل قمة ذلك الصراع في اتفاقية الجزائر الذي حاول من خلاله نظام العراق إضعاف إرادة الشعب الكوردي في البقاء ولكن صموده مثل أروع ملاحم الحفاظ على البقاء.
إن منحى الصراع قد أتخذ شكلاً مختلف تماماً مع انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين وغزو الكويت وأحداث الحادي عشر من أيلول وسقوط نظام صدام حيث انتقل الصراع من شكله التقليدي الى الصراع على السيطرة الفكرية والعولمة والاستعمار والتبعية الفكرية والإعلامية وأحادية القطب العالمي المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وظهور الصين كقوى اقتصادية كبرى ليتنقل الصراع الى صراع على المصالح التي أدت الى ظهور اصطفافات وتحالفات اقتصادية المتمثلة في الصراع الأمريكي الصيني على الطاقة والتنافس الاقتصادي، وكذلك الصراع الامريكي الإيراني الذي جسد قمة الصراع الأيديولوجي العقائدي في سعي إيران للسيطرة المذهبية على الشرق الأوسط وتسخير كافة الوسائل لها من خلال إنشاء مليشيات ولائية عقائدية، وكما برز نوع آخر من الصراع الديني المذهبي الذي حمل أفكاره منظمات إرهابية متمثلة في القاعدة وداعش وما خلفه هذا الصراع من السيطرة المذهبية في محاولة لخلق واقع جديد في الشرق الأوسط الذي مازال يترنح تحت تأثيره من فوضى ,وكذلك الصراع ما بين البحث عن أفكار الديمقراطية والحرية والتخلص من الديكتاتورية التي جسدتها ما تسمى أفكار الربيع العربي ,وكذلك الصراع على الهيمنة الدولية في الحرب الروسية الاوكرانية ودخول العالم في تحالفات ومحاور واضحة علنية مبنية على المصالح وفرض القوة والهيمنة الدولية، ولعل الصراع الأبرز برأيي المتواضع هو الصراع بالوكالة بين إيران وامريكا من خلال الصراع الاسرائيلي ومنظمة حماس.
في المحصلة يمكن القول بأن ماهية الصراع والتنافس هي نظرية جدلية في السيطرة والقوة وإثبات الذات والحفاظ على الوجود في ظل أحداث مليئة بالمتناقضات السياسية والاقتصادية والفكرية.
والسؤال الذي يراود مخيلة القارئ الكريم الى متى يبقى الشعب الكوردي في كوردستان سورية يعاني من تأثير ذلك الصراع الذي قاد شعبنا وجغرافيته وإرثه الحضاري وثروته الفكرية والاقتصادية والمعيشية الى ضحية يتم استغلاله بالوكالة من قبل سلطة تجعل منه يعاني الآثار التدميرية المبرمجة من الهجرة والتغيير الديمغرافي، أم لا بد من إعادة التفكير في مستقبلنا الذي يستند الى وحدة الصف والتشارك في النضال في السعي لإبعادنا كحلقة ضعيفة تعاني من هذا الصراع واشكاله ونتائج .